تريليون دولار من الإنفاق على المشاريع والصناعات الكبرى
الشركات الكورية والصينية تستأثر بالجزء الأكبر من المشاريع
- اقتصاديون يثيرون أهمية ربط العقود للشركات الدولية بتوطين التكنولوجيا وتطوير الصناعات المتقدمة
- مقاولون خليجيون: يجب إلزام الشركات الدولية تنفيذ نسبة من العقود بواسطة الشركات المحلية
- الشركات الأوروبية والأميركية شاركت المؤسسات المحلية لكن مبدأ المشاركة غير وارد لدى الصينيين والكوريين
الهجوم الكاسح للشركات الكورية والآسيوية على قطاع المقاولات الخليجي، لا سيما على المشاريع الكبرى، بدأ يخلق حالة من التوتر والإحباط لدى شركات المقاولات المحلية التي بدأت تتظلم وتطالب الحكومات بحلّ يحمي القطاع من المنافسة الإغراقية. لكن الأهم هو أن موضوع الكوريين والمنافسة الأجنبية عموماً بدأ يتوسع ليثير مسألة العائد الاقتصادي والاجتماعي لدول الخليج من إنفاق مئات المليارات على برامج البنى التحتية والصناعات الكبرى. وهناك الآن مقالات يومية وتصريحات تنشرها الصحف الخليجية تظهر أن الموضوع بات يمثّّل قضية تحتاج إلى تقييم حقيقي من قبل قطاع المقاولات والغرف التجارية ومن المسؤولين. فما هي أبعاد الضجة حول الاجتياح الكوري وما هي الخيارات المتاحة لمعالجة أشمل وأوسع أفقاً للموضوع؟
مع برامج إنفاق يقدر أن تصل إلى تريليون دولار في حلول العام 2020، أطلقت دول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية إحدى أكبر ورش تطوير البنى التحتية وقطاعات الطاقة في العالم اليوم. وفي مناخ الركود النسبي الذي أصاب الاقتصاد العالمي وتراجع فرص التمويل، حولت شركات المقاولات العملاقة اهتمامها إلى دول المنطقة وبدأت بذلك معركة كبرى بين تلك الشركات، غايتها الفوز بأكبر حصة ممكنة من العقود التي تطرح في المناقصات العامة.
لكن الشهية الكبيرة للشركات العملاقة وحاجتها الماسة للعقود الجديدة أدتا إلى نشوب حرب أسعار شرسة بدأت شظاياها تطاول الشركات والمجموعات المحلية التي تجدّ نفسها مضطرة للتضحية بهوامش الربح والعمل بالتكلفة أحياناً لضمان الحصول على حصة من العقود الجديدة، وفي الوقت نفسه توفير ديمومة العمل لألوف العاملين لديها من عمال وفنيين ومهندسين وإداريين.
زاد في حالة القلق بين الشركات المحلية في المنطقة، النزعة الهجومية اللافتة للشركات الكورية بشكل خاص خلال المنافسة على العقود وهو أسلوب تميز، خلال السنوات الأربع أو الخمس الأخيرة، بعمليات تكسير أسعار أخرجت معظم الشركات الأوروبية واليابانية المحترفة وبدأت تضغط بقوة على الشركات المحلية الرئيسية التي تجدّ نفسها غير قادرة على مواجهة الأسلوب الكوري.
تركيبة معقدة ودعم حكومي
يقول أحد المقاولين الخليجيين إن نحو 80 في المئة من العقود الكبيرة في مجالات النفط أو الكهرباء أو التحلية تذهب إلى الشركات الكورية دون غيرها ويضيف قائلاً: «المشكلة أننا لم نفهم بعد بصورة كافية نموذج العمل الذي يحكم نشاط هذه الشركات. فنحن نميل إلى اعتبارها شركات عادية مثل الشركات الأوروبية والأميركية واليابانية لكنها في الحقيقة ليست كذلك لأنها جزء من تركيبة مختلفة تماماً يتداخل فيها الهدف الاقتصادي للشركة وهو الربح بالأهداف الاقتصادية والاجتماعية للحكومة وهي أهداف تتعلق بتأمين التشغيل للعمالة الماهرة وللصناعات وتوطيد نفوذ الشركات الكورية في الأسواق الدولية. وهذه التركيبة فعّالة جداً لأنها تتضمن أشكالاً عديدة من الدعم الحكومي للشركات ت عزّز قدرتها على المنافسة السعرية. أضف إلى ذلك أن الكوريين يعملون ليس عبر شركات مقاولات متخصصة بل عبر مجموعات صناعية متكاملة Conglomerates لا تمثل المقاولات سوى جانباً فقط من نشاطاتها. وقد تضم المجموعة الكورية صناعات السيارات أو السفن أو الصناعات الثقيلة مثلاً (هيونداي) أو الإلكترونيات (سامسونغ) أو غيرهما، وهم لذلك يستطيعون احتمال الخسارة أو الربح الشحيح في المقاولة نفسها لأنهم يعوضون عن ذلك بالفوائد الكبيرة التي يجنونها من حجم الأعمال ومن أبواب أخرى، كما أن هذا الحجم يمكّنهم من الاستثمار بسخاء في إنشاء صناعات حديثة أصبحت تفوق من حيث تقدّمها الصناعات الغربية وذلك نظراً لأن الشركات الكورية لا تلجأ لأسلوب التعاقد الخارجي Outsourcing كما تفعل الشركات الأوروبية أو الأميركية بل تحرص على بناء مصانع تصنع فيها كل ما تحتاجه. وبالطبع تساهم هذه الاستراتيجية في تعزيز قوة الصناعات الكورية وتضاعف المردود الاقتصادي للصناعة وكذلك مردودها الاجتماعي. ويساعد الحجم الكبير للأعمال التي تحصل عليه الشركات في الإنفاق على أعمال الأبحاث والتطوير، كما أنه يمكّن تلك الشركات والمجتمع الكوري عموماً من الاستثمار في الموارد البشرية وتأمين عمالة مستدامة لقطاع مهم من صناعاتها الاستراتيجية.
من أجل أخذ فكرة عن طغيان الشركات الكورية المتزايد على سوق المقاولات في الخليج، تكفي الإشارة إلى أن حكومة خليجية طرحت مؤخراً مشروعاً لإقامة محطة لتوليد الطاقة الكهربائية فتقدمت للمنافسة على المشروع عشر شركات كلها كورية في مقابل شركة محلية يتيمة».
استراتيجية لإخراج المنافسين
وفي مثال آخر حصلت إحدى الشركات الكورية مؤخراً على مشروع كان موضوعاً لتنافس شديد. ولم تتردّد الشركة الكورية في كسر أسعارها إلى مستوى يكبّدها خسارة مرجَّحة قد تبلغ 300 مليون دولار في المشروع، وهو ما يؤكد في رأي إحدى شركات المقاولات الدولية أن هدف الكوريين هو الربح عندما يتسنى لهم ذلك لكن هدفهم الأساسي أشمل ويتعلق بالمصالح الكورية بتعريفها العام. «هذه الشركات ليست حرة مئة في المئة» على حدّ قول أحد الخبراء في قطاع المقاولات، «لأنها مرتبطة بنظام معقد اقتصادي، اجتماعي، سياسي. وهو ما يفسّر قبولها في حالات معينة بتحمّل خسارة صافية مقابل الفوز بالعقد». وهذه الاستراتيجية ساعدت الكوريين وفي غضون سنوات قليلة على فرض هيمنة متزايدة على قطاع العقود والإنشاءات الكبيرة في الخليج، كما أدّت إلى وضع أصبحت فيه الحكومات الخليجية من دون أن تدري- وعبر سياسة منح العقود بشكل أساسي على أساس السعر- مساهماً مهماً في تمويل البرامج الاجتماعية للحكومة الكورية أو مثيلاتها، في وقت يقتضي تركيز الاهتمام الأول على ما ينجم عن دول الخليج نفسها من عائد اقتصادي واجتماعي طويل الأجل من الإنفاق الضخم على تلك المشاريع.
بل إن استراتيجية الشركات الكورية بدأت تشجّعها على التوسّع باتجاه الاسواق الأوروبية والأميركية بعد أن أصبح لديها «موديل جاهز» ولها خبرة كبيرة فيه ويمكن تطبيقه في أي سوق مفتوحة على المنافسة ولا يتضمن سياسات حماية للشركات المحلية.
برامج توطين التكنولوجيا
هذا الوضع الجديد الضاغط يخلق الآن حالة من التوتر والإحباط لدى شركات المقاولات في الخليج لكن الأهم هو أن موضوع الكوريين والمنافسة الأجنبية عموماً بدآ يتوسعان ليثيرا مسألة العائد الاقتصادي والاجتماعي لدول الخليج من إنفاق مئات المليارات على برامج البنى التحتية.
يذكر هنا أن الأسواق الصاعدة مثل كوريا الجنوبية أو البرازيل أو الهند لديها سياسات توطين للتكنولوجيا وهي تستخدم برامج الإنفاق الضخم على البنى التحتية لتفرض على المتقدمين للمناقصات الحكومية شروطاً <معينة تلائم صناعاتها المحلية. ومن أهم تلك الشروط هو أن تقوم بنقل التكنولوجيا إلى الصناعات المحلية. وبين الدول الأكثر تشدّداً في هذا المجال، كوريا الجنوبية نفسها التي ساهمت سياسة التوطين التي فرضت على دول مثل اليابان ودول صناعية أخرى في إطلاق الصناعة الكورية وتطورها لتصبح في مصاف الصناعات الأكثر تقدماً في العالم. أحد الأمثلة على هذه السياسة ظهر مؤخراً عندما سعت الشركات الفرنسية للفوز بمشروع لإنشاء نظام للقطارات السريعة في كوريا، فكان الشرط الأول الذي قوبلت به من السلطات الكورية، أن عليها الالتزام بنقل كامل لتكنولوجيا القطارات السريعة إلى الشركات المصنّعة الكورية وكان الشرط الثاني تدريب الكوريين على تصنيع واستخدام وتطوير تلك التقنيات.
كوريا وبلدان ناشئة عديدة تفرض على الشركات الأجنبية نقلاً كاملاً لتكنولوجيا المشاريع وتدريب العمالة المحلية
بين الغربيين والآسيويين
اللافت هنا أن الشركات الأوروبية والأميركية نفّذت الكثير من العقود في المنطقة على شكل مشاريع مشتركة أو تحالفات مع الشركات المحلية وكانت تحرص على اختيار شركاء محليين في عملياتها، وكانت تلك السياسة أحد المحفزات المهمة لقيام قطاع مقاولات خليجي كبير بات قادراً على تنفيذ أكبر وأكثر المشاريع تعقيداً. وتعود تلك السياسة إلى ظروف أن المجتمعات الغربية التي استعمرت بلداناً نامية في الماضي ربما تشعر بوزر تلك المرحلة وتريد أن تظهر بمظهر أكثر عدالة في تعاملها مع المجتمعات النامية، كما أن الشركات الغربية هي من الضخامة أحياناً بحيث تفضل تحويل العديد من المهمات الثانوية إلى مقاولين من الباطن يتم اختيارهم من السوق المحلية. أما الكوريون والصينيون فهم ينتمون إلى ثقافة مختلفة تركز أكثر على الانفراد بتنفيذ المشاريع، لذلك فهم لا يركزون كثيراً على تعظيم الفائدة للبلد صاحب المشروع ويحرصون على أن يأخذوا هم كل الفوائد والقيمة المضافة، فيتم مثلاً تصنيع معمل تحلية كامل في كوريا ويتم شحنه بعد ذلك على عوامات بحرية عملاقة Barges، بينما المفترض أن يتم التجميع وكل ما يمكن من عمليات التصنيع في البلد صاحب المصلحة في المشروع.
يشير مقاولون خليجيون إلى أن ما يعقّد مشكلة الشركات المحلية هو تطبيق سياسات متسامحة، لجهة توطين الوظائف مثلاً، مع الشركات الأجنبية من كورية وصينية وغيرهما، مقابل سياسات متشدّدة مع الشركات المحلية لتوظيف المواطنين من الشباب والخرِّيجين الجدد، وهو ما ينعكس ارتفاعاً إضافياً في تكلفة العمالة ويعطي ميزات مهمة لمنافسيها الكوريين أو الآسيويين عند إعداد العروض ووضع الاسعار. وفي نظر أحد كبار المقاولين الخليجيين فإن المشكلة أن الدولة أصبحت تعتمد في ترسية العقود ذات الأهمية الكبيرة للبلد، معياراً واحداً هو السعر. ودون إعطاء الأولوية للأجندة الاقتصادية أو الاجتماعية الأبعد أمداً.
أفكار برسم الحكومات
وبالطبع لا يوجد مقاول أو رجل أعمال خليجي يعترض على معيار الأداء والتنافسية في الأساس، لكن النقطة التي يدور حولها الجدل ليست فوز شركة كورية أو صينية بعقد ضخم بل هي ضرورة وضع تركيز أكبر على رؤية تنموية تربط منافسة الشركات الأجنبية على عقود المقاولات الكبيرة بشروط والتزامات ليس الهدف منها محاباة المقاول المحلي بل السعي لتحقيق عائد اقتصادي واجتماعي للبلد من الإنفاق الضخم على المشاريع لا سيما لجهة توظيف وتدريب الكوادر المحلية ونقل الخبرات المختلفة والحثّ على تطوير صناعات محلية جديدة يمكنها تزويد المشاريع الجديدة بما تحتاجه من معدات وآلات وقطع ومن ثمّ التصدير إلى الخارج. وهذه السياسات مطبّقة في معظم الدول ذات الاقتصادات الناشئة وعلى رأسها كوريا.
ومن أهم الأفكار التي طرحت مؤخراً في أوساط المقاولين الخليجيين :
- أن يطلب من الشركات الأجنبية تنفيذ جزء من الأعمال قد يتراوح ما بين 30 و40 في المئة بواسطة مقاولين محليين من المتمتعين بتصنيف ممتاز حسب المعايير الحكومية. وغني عن القول إن هذا النوع من الشراكة يشكّل أهم حافز لتطوير قطاع المقاولات الصناعية ويُسهم بالتالي في تنمية قاعدة معرفية وتقنية مهمة للاقتصاد المحلي.
- أن يطلب من الشركات الأجنبية الدخول في برامج تستهدف تحويل تكنولوجيا الصناعات المتقدمة إلى الدول الخليجية عبر براءات تصنيع وتراخيص من الشركات المصنعة.
- أن يتم توظيف أكبر عدد ممكن من المهارات والكفاءات العلمية المحلية، وأن يتم تدريبها وتطوير معارفها وخبراتها الفنية والهندسية في ميدان الصناعات والتقنيات المتقدمة، وذلك بما يساهم في تطوير قاعدة الكفاءات الصناعية والتقنية في المنطقة ويمثّل حافزاً مهماً لانطلاقة صناعات متقدمة خليجية جديدة.
- أن يتم التوظيف المشترك وعبر شركات مشتركة مع مستثمرين محليين أو شركات مقاولات محلية في تصنيع جزء مهم من قطع الغيار والمعدات والأجزاء اللازمة لعمليات تشغيل وصيانة المرافق التي يتم تنفيذها. وهذا الجانب يمكن أن يرسي الأسس لقيام صناعات خليجية متقدمة تساهم في خدمة الصناعات والمرافق المحلية بدلاً أن يبقى ذلك معتمداً بصورة تامة على الشركة المنفذة أو على الأسواق الخارجية.
- هناك أيضاً من يقترح، ومن أجل مواجهة تكتيكات الإغراق السعري وأشكال الدعم العديدة المقدمة للشركات الكورية أو غيرها، إعطاء أفضلية سعرية ولو ضئيلة للشركات المحلية. ومعلوم أن الحكومات الخليجية تطبّق سياسات دعم سعري في الكثير من قطاعات الاستهلاك والعديد من السلع وتتكبّد هذه الحكومات عشرات المليارات من الدولارات سنوياً لتمويل هذا الشكل من الإنفاق الاستهلاكي. ومن المنطقي في هذه الحال قبول الحكومات بمنح حوافز إضافية بسيطة بهدف حماية قطاع كبير منتج مثل قطاع المقاولات أو القطاعات الصناعية المطلوب منها تشغيل المواطن الخليجي وتوفير فرص العمل والمساهمة في تنمية الاقتصاد.
لماذا تعفى الشركات الآسيوية من شرط توطين الوظائف، مقابل التشدد فيه مع الشركات المحلية ما يؤدي إلى رفع تكلفتها وإضعاف هامشها التنافسي
تجارب الماضي
وجدير بالذكر هنا أن هذا التوجّه لاستخدام الإنفاق الحكومي كرافعة لتحقيق أغراض تنموية ليس جديداً وقد تميّزت السياسات الخليجية خلال العقود الثلاثة الماضية بإدراك حاد لأهمية استخدام ورقتها التفاوضية المتمثلة بالعقود الحكومية الكبيرة من أجل بناء وتنمية الاقتصاد المحلي في المرحلة المقبلة.
وقد حصل ذلك أول ما حصل في صناعة النفط. وكانت الدول النفطية النامية في مرحلة أولى تبيع نفطها خاماً وتترك للشركات الأجنبية تحقيق 90 في المئة من القيمة المضافة والأرباح. فكان برميل النفط يحقق للدولة المنتجة 20 دولاراً مثلاً كثمن النفط الخام بينما كانت الشركات العملاقة تحقق 100 دولار أو ربما أكثر عبر تصنيعه وبيعه كمشتقات أو كبتروكيميائيات أو كمنتجات متطورة، وكانت الحكومات الغربية المستوردة تأتي أخيراً لتحصِّل من البرميل نفسه ربما 100 دولار أو أكثر على شكل ضرائب ورسوم.
وبالطبع خطت الدول الخليجية خطوات كبيرة على صعيد الاحتفاظ بكمية أكبر من العائد الاقتصادي (والاجتماعي) للنفط من خلال إطلاق الصناعات الأساسية المستندة إلى النفط والغاز أولاً ثم عن طريق ولوج ميدان الصناعات البتروكيميائية المتطورة وهو المجال الأكثر ربحية والأكثر مساهمة في التطور التكنولوجي للدولة المنتجة.
حصل أمر مماثل في صناعات البناء والإنشاءات في مطلع الثمانينات من العقد الماضي، إذ ساعدت المشاريع الحكومية الضخمة من مطارات وطرق وموانئ على بروز صناعة مقاولات وإنشاءات متطورة بات لها باع طويل وقدرة تنافسية على الفوز بمشاريع محلية أو في الأسواق الخارجية وهو ما ساهم في تطور الناتج المحلي غير النفطي ولعب دوراً أساسياً في تنمية المهارات والعمالة المحلية.
فرصة تاريخية
وهناك الآن موجة إنفاق هائل على مشاريع البنى التحتية والطاقة والمياه في الخليج والبعض يقدّر أن أكثر من 1000 مليار دولار سينفق على تلك المشاريع حتى العام 2020. وفي السعودية وحدها يتوقع أن يصل الإنفاق على توسعة الطاقة الإنتاجية لقطاع الكهرباء وحده إلى 100 مليار دولار في المدى المنظور، في وقت يقدر الإنفاق المتوقع على البنى التحتية بأكثر من 600 مليار دولار. وتشمل مشاريع البنى التحتية المخططة في الخليج الموانئ والمطارات وصناعة النفط والغاز وقطاع الكهرباء والتحلية وأنظمة القطارات والمترو وشبكات الطرق والأبنية الحكومية وغيرها. وبالطبع كما كان قطاع النفط في السابق منطلقاً لتطوير سلسلة مترابطة من الصناعات المحلية وبروز شركات عملاقة مثل «سابك» وقطاع ضخم من الصناعات المحلية المرتبطة بالطاقة، فإن الإنفاق المخطط على البنى التحتية وعلى قطاع الطاقة بصورة خاصة لا يختلف عن النفط من حيث كونه يفتح فرصاً كبيرة لتطوير شركات المقاولات الحالية أو لنشوء استثمارات محلية أو محلية - أجنبية مشتركة تستند إلى مشاريع الإنفاق وتؤسس عليها لاكتساب قدرات تنافسية تساعدها على المنافسة مستقبلاً على مشاريع في الخارج.
التركيز على قيام صناعات جديدة
أي أن هذه المرحلة المهمة من الإنفاق الحكومي الهائل على البنى التحتية يجب النظر إليها ليس فقط كإنفاق صرف على «سلع تقنية» جاهزة ومن دون أي مردود اقتصادي أو اجتماعي، بل كفرصة تاريخية لخلق صناعات محلية توفّر العمالة وفرص التقدّم لعدد كبير من المؤسسات الخليجية، وكذلك كفرصة لتوطين التكنولوجيا وخلق صناعات محلية ثانوية أو مكمّلة أو صناعات قطع الغيار أو خدمات الصيانة وغير ذلك من النشاطات التابعة. والسؤال المطروح بسيط جداً: ماذا بعد انقضاء هذه المرحلة وإنفاق كل هذه المليارات وما هي الفوائد غير المباشرة الاقتصادية والاجتماعية التي ستبقى للبلد بعد كل ذلك الإنفاق؟
جواب مختصر: ما لم تكن هناك زيادة في التركيز على رؤية أو أجندة اقتصادية واجتماعية لتوفير تلك الفوائد عبر استخدام الورقة التفاوضية للإنفاق الحكومي فإن النتيجة ستكون أن جميع الفوائد الاقتصادية والاجتماعية والعلمية لتلك العقود ستكون ذهبت لمجتمعات أجنبية تكون دول المنطقة قد ساهمت بتطوير صناعاتها وتشغيل عمالها وفنييها وساعدتها بالتالي على أن تحافظ لعقود طويلة مقبلة على تفوّقها الصناعي والتكنولوجي.